
تراجع حاد في المبيعات، ارتفاع في التكاليف، وجمود إداري يُهدد أحد أعمدة الاقتصاد الوطني
الرباط – الرحلة
يعيش قطاع العقار في المغرب واحدة من أسوأ فتراته منذ عقود، وسط مؤشرات مقلقة تُنذر بأزمة ممتدة في أحد أهم القطاعات المحركة للنمو الاقتصادي الوطني. فبعد سنوات من الانتعاش النسبي، عاد الركود ليسيطر بشكل شبه تام على السوق، ليجد المنعشون العقاريون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع شبح الإفلاس، في وقت لم تنجح فيه الإجراءات الحكومية ولا التحفيزات في إنعاش الطلب المتراجع بشكل مخيف.
بحسب معطيات نشرتها يومية ليكونوميست، فإن المبيعات العقارية تراجعت بنسب تتراوح بين 30% و40% مقارنة بالعام الماضي، لكن مصادر ميدانية من داخل الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين تشير إلى أن الانخفاض الحقيقي أعمق بكثير، ويصل في بعض الحالات إلى أكثر من 60%. هذا الركود يطال جميع أنواع السكن، من الاجتماعي إلى المتوسط، وحتى المشاريع السكنية الراقية، ما يعكس أزمة شاملة تطال العرض والطلب معاً.
ارتفاع في تكاليف البناء وتراجع في ثقة المستهلك
المعضلة لا تقتصر على ضعف الطلب فقط، بل تعمقها التكاليف المتزايدة لمدخلات البناء، وعلى رأسها المحروقات ومواد البناء الأساسية مثل الإسمنت والحديد، التي ارتفعت أسعارها بشكل لافت في الأشهر الماضية. هذه الزيادات جاءت في وقت يترنح فيه المستهلك تحت ضغط التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، ما جعله يؤجل أي قرار استثماري في العقار، خصوصاً في ظل تراجع القدرة الشرائية وغياب رؤية واضحة لمستقبل السوق.
وقد كانت التوقعات تشير إلى انتعاش موسمي مع عودة مغاربة العالم خلال فصل الصيف، إلا أن ذلك لم يتحقق، حيث لم تعد العقارات على رأس أولوياتهم، في ظل أزمة غلاء المعيشة التي تطالهم أيضًا في بلدان المهجر.
اختناقات إدارية وندرة الأراضي تزيد من تعقيد المشهد
بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية، تواجه السوق العقارية اختناقات إدارية كبيرة، تتجلى في بطء شديد في معالجة ملفات الترخيص العقاري، إذ تستغرق بعض الملفات أكثر من عام للمصادقة عليها. هذا الجمود يُثني المستثمرين عن إطلاق مشاريع جديدة، خاصة في ظل بيئة تعاني من ندرة في الأراضي الصالحة للبناء، سواء في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش، أو حتى في بعض المدن المتوسطة.
ويعترف عدد من المنعشين بعودة بعض الممارسات غير القانونية إلى الواجهة، حيث يطلب بعضهم مدفوعات \"بالنوار\" (خارج القنوات الرسمية) كشرط غير معلن لإتمام الصفقات، وهو ما يخلق بيئة غير صحية تهدد شفافية السوق وتعزز الإقصاء.
تعثر التحفيزات وتأخر الاستثمار المواكب لمونديال 2030
ورغم إطلاق برنامج \"دعم سكن\"، الذي كانت الحكومة تعوّل عليه لتحريك عجلة الطلب، إلا أن تأثيره لا يزال \"ضعيفًا جدًا\"، خصوصًا في المدن الكبرى حيث تتجاوز أسعار الشقق سقف الدعم المخصص. ووفق ما أكده رئيس الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، فإن الاستفادة من البرنامج لا تزال محدودة وتفتقر إلى فعالية ميدانية تواكب التحديات الحقيقية.
من جهة أخرى، لم ينعكس حتى الآن الزخم المرتبط بتنظيم المغرب لكأس العالم 2030 على السوق العقارية. فعلى الرغم من انطلاق مشاريع البنية التحتية الكبرى المرتبطة بالحدث، إلا أن الاستثمار في مشاريع الإيواء (الفنادق، الاستوديوهات، الفلل السياحية) لم يشهد الحركية المتوقعة. وهذا التأخر قد يُفرّط في واحدة من أكبر الفرص التي يمكن أن تُعيد الزخم لقطاع يعيش حالة من الشلل.
هل نحن أمام أزمة عابرة أم بداية لانهيار ممنهج؟
الأسئلة تتكاثر داخل الأوساط الاقتصادية والمصرفية حول مآل هذه الأزمة. فبين من يرى أن الركود العقاري يُعدّ تصحيحًا طبيعيًا بعد فترة من النمو المفرط، ومن يعتقد أننا بصدد \"انهيار صامت\"، هناك إجماع على ضرورة تدخل حكومي أكثر ديناميكية وجرأة.
ويرى خبراء أن إنقاذ القطاع يتطلب إعادة النظر في السياسات العقارية، وتبسيط المساطر الإدارية، وتوسيع قاعدة الدعم لتشمل فئات أوسع من المواطنين، خاصة الشباب، إلى جانب تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنشاء مدن جديدة بمواصفات حديثة وأسعار معقولة.
في انتظار ذلك، يبقى قطاع العقار المغربي واقفًا على حافة المجهول، بين شقق فارغة، ومشاريع متوقفة، ومطورين يترقبون \"بارقة أمل\" تعيد الثقة إلى أحد أكثر القطاعات تأثيرًا في الاقتصاد الوطني
Comments
No comments yet. Be the first to comment!