
مع تسارع تبني أدوات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، يشهد سوق العقارات تحوّلًا نوعيًا يُعيد تعريف آليات العمل، دون أن يلغي دور العنصر البشري الذي يظل محور الثقة وصانع القرار في كل صفقة. وبينما تُحدث الخوارزميات الذكية ثورة في تحليل البيانات وتوقع اتجاهات السوق وصياغة الإعلانات، يؤكد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل المتخصصين، بل سيمنحهم أدوات أقوى لبناء أعمال أكثر كفاءة وتأثيرًا.
يقول أدريان جوسليت، المدير الإقليمي والرئيس التنفيذي لشركة \"ريماكس جنوب أفريقيا\"، إن الذكاء الاصطناعي يوفّر للوكلاء رؤى دقيقة عن السوق، لكنه لا يستطيع أن يقدّم التعاطف والخبرة المحلية التي يحتاجها العملاء عند اتخاذ قرارات مالية وعاطفية كشراء منزل أو بيعه. ويوضّح أن الثقة لا تُبنى بالخوارزميات، بل بالعلاقات الإنسانية.
أما جرانت جافين، الوسيط والمالك في \"REMAX Panache\"، فيشير إلى أن أدوات مثل ChatGPT أصبحت عنصرًا رئيسيًا في تحسين أداء الوكلاء، إذ تُسهم في كتابة أوصاف جذابة للعقارات، وتحليل الاستراتيجيات التسويقية، وتوليد أفكار جديدة لجذب العملاء المحتملين. لكنه يؤكد أن هذه التكنولوجيا لا تُبدل جوهر المهنة بل تطوره، لأنها تمنح الوكيل وقتًا أكبر لتقديم اللمسة الإنسانية التي تظل أساس النجاح في العقارات.
وتتفق دراسات حديثة مع هذا الطرح، إذ أوضحت دراسة أجرتها Microsoft أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدرته على دعم عمليات البيع والتحليل، لن يحل محل الوكلاء العقاريين، لأن العملاء لا يزالون يفضلون التفاعل البشري عند اتخاذ قرارات استثمارية كبيرة. بينما يشير تقرير شركة JLL إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُغيّر شكل الاستثمار والتخطيط العقاري عبر إدارة المباني الذكية وتخفيض التكاليف التشغيلية، لكنه لن يُلغي الحاجة إلى المفاوضة والخبرة المحلية.
من جهتها، تؤكد مجلة Forbes أن أكبر قيمة يقدمها الذكاء الاصطناعي تكمن في تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ باتجاهات السوق، وهو ما يعزز من كفاءة قرارات المستثمرين. إلا أن الاعتماد الكامل على النماذج الذكية دون إشراف بشري قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة بسبب التحيز أو نقص البيانات الميدانية.
ويظهر هذا التوازن بوضوح في سوق دبي العقاري، حيث تمزج الشركات بين الابتكار التقني واللمسة البشرية لبناء تجربة متكاملة. فالذكاء الاصطناعي يُستخدم اليوم في تحليل الأسعار وتحديد فرص الاستثمار ومتابعة العملاء، فيما يظل دور الوسيط هو العامل الحاسم في تحويل البيانات إلى قرارات فعلية. هذا التكامل بين التكنولوجيا والخبرة هو ما يجعل دبي نموذجًا عالميًا في استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان لا لاستبداله، وتعزيز ثقة المستثمرين في سوق عقاري يجمع بين الدقة والدفء الإنساني.
Comments
No comments yet. Be the first to comment!